يطلب الزبون نوعين من الأدوية، ويدسّ أحدهما في كيس يأخذه معه؛ بينما يترك الآخر لدى الصيدلاني طالبا منه أن يضمّه إلى "المعلقات".
حركة غريبة وغير متعوَّدة قد تثير استغراب كلّ من حضر المشهد بإحدى صيدليات مدينة تطوان؛ لكن العجب يبطل بمجرّد معرفة السبب وراء هذه الحركة التي منشأها شبابٌ تطوانيٌّ قرر أن يكون مبادرا وفعالا بدل الجلوس والتفرج، ملامساً قطاعاً طالما شكل هاجسا للمعوزين من المرضى وأهاليهم.
"المعلقات".. هذا هو الاسم الذي أطلقوه على مبادرتهم الإنسانية الفريدة، والتي تتلخص في توفير أدوية مجانية لمن لا يمتلكون القدرة على اقتنائها من خلال تبرعات لمُقتنين عابرين أو دائمين.
يشرح لنا محمد بلكحل، رئيس جمعية تطمودة، التي تبنت الفكرة ووفرت لها الغطاء القانوني، كيف بدأ الأمر، قائلا: "الفكرة بدأت منذ حوالي سنة ونيف، عندما التقى اثنا عشر شابا يدرسون بمدرسة المهندسين بمدينة أكادير، وأعدوا فيما بينهم تصورا عاما محاولين الإحاطة بجميع جوانب الفكرة وإعداد تصور عام لها كي تكون مسألة تنزيلها في المتناول فيما بعد، وقد أخذ منهم هذا النقاش مدة 6 أشهر استمرت من شهر يناير من السنة الماضية إلى غاية يونيو".
ويشرح بلكحل كيف وصلت الفكرة إلى تطوان: "من بين هؤلاء الشباب كان هناك شاب تطواني اسمه شوقي الغزال، حمل الفكرة إلى مدينة تطوان وقرر أن يكون السباق للبدء بها.. وإثر لقاء جمعنا نحن الاثنين، كصديقيْن قديميْن، وضع أمامي الفكرة، وسألني إن كنا مستعدين كجمعية لتبنيها فأبديت، أنا وباقي أعضاء الجمعية، حماسنا الشديد وانخراطنا المسبق فيها".
طبيعة الفكرة نفسها يوضح أبعادها بشكل جيد محدّثنا مواصلا: "لأننا نريد أن تبقى فكرة المعلقات سامية وليست ملكا لأحد، فإننا لم نحصرها في جمعيتنا فقط؛ فهناك الآن حوالي 140 شخصا منخرطا في الفكرة بشكل تطوعي، وكل منهم يؤدي المهمة التي يرتاح إليها ويستطيعها، من تصميم ومتابعة وتواصل وغيرها.. تجنبا للعشوائية أيضا، فهناك تنسيقية مثل مجلس إداري، تتكون من ممثلين لكل من أصحاب الفكرة والجمعية المتبنية لها، وللمتطوعين".
أما عن بداية الفكرة والصعوبات الطبيعية التي واجهتها، فيقول رئيس جمعية تطمودة: "كانت الانطلاقة متعثرة قليلا نظرا لعدة أمور لوجيستية، ولتزامن بداية الفكرة مع فترة الصيف ثم الانتخابات، قبل أن تأتي الانطلاقة الحقيقة في منتصف أكتوبر عندما أنشأنا صفحة على فيسبوك تفاعل معها كثيرون وحققت نتائج طيبة، ولم تكن منحصرة في الصيدليات فقط. وقد نجحنا خلالها في توفير 150 قطعة ملابس، و15 مقررا مدرسيا وما قيمته 1800 درهم من الأدوية كانوا الناس يتواصلون معنا ويسلموننا إياها يدا بيد بعد أن يبدوا رغبتهم في "تعليقها" على فيسبوك".
ويواصل بلكحل: "في شهر نونبر الماضي، بدأت الفكرة تتبلور وتنتظم أكثر، حيث ركزنا على 6 صيدليات شريكة وضعنا فيها رمز المعلّقات وقمنا بتجهيز فيديو يشرح الفكرة، فكان الإقبال والتفاعل ممتازا.. وخلال تلك الفترة، تم تعليق 42 دواءً، حتى من لدن متبرعين من خارج الوطن كأمريكا وهولندا، ووقتها أصبح عدد العائلات المستفيدة 15 قبل أن يصبحوا 20 عائلة، أما الآن فنتعامل مع 30 مستفيدا".
فكرة بهذا البعد والعمق لم تكن لتمرّ بسهولة، وهو ما تعامل معه أصحاب الفكرة بطريقة مناسبة، يشرح بلكحل ذلك قائلا: "المعلقات عموما فيها 3 إكراهات تتعلق بالمتبرع والمستقبل والمستفيد، وصعوبة التأكد أحيانا من أن الهبة ستصل إلى من يستحق. أما في الصيدليات فقد وجدنا حلا سهلا يتمثل في وضع صندوق زجاجي نمتلك نحن مفتاحه يتم وضع الأدوية فيه ونتسلمها نحن ونسلمها إلى العائلة المستفيدة؛ لكن في المستقبل القريب، وبعد أن تتسع الفكرة أكثر لتشمل 7 مجالات (على غرار المعلقات السبع الشهيرة)، سنقوم بإعداد تطبيق على الهواتف يسمح بضبط العملية بشكل جيد، ومن المرتقب أن يجهز خلال أسبوعين، وسيمكن من التعامل حتى مع أشخاص ليسوا ضمن لائحة المستفيدين التي لدينا، وسيتزامن ذلك مع ازدياد عدد الصيدليات الشريكة مع فكرة المعلقات إلى 20 صيدلية".
وعودةً إلى المجتمعين منذ سنة في أكادير، فإن كلا منهم حمل معه الفكرة وعمل على بلورتها في مدينته، ومؤخرا بدأت جمعية في مدينة أكادير أيضا في تطبيق الفكرة لدى المكتبات، وقريبا جدا ستعمّ الفكرة كل من مدن الراشيدية والدار البيضاء والقنيطرة، وكل مدينة ستختار مجالا لتنشر فيه الفكرة.
ويختم بلكحل حديثه موضحا الجزئية الأخيرة: "فكرة المعلقات هي التركيز على 7 مجالات؛ بينها المواد الغذائية، والمكتبات، والصيدليات، وآخرها هي ما أطلقنا عليه اسم "الفضيلة"، وتتمثل في أن يعلق شخص ما أحد المحلات التي يملكها مثلا لفائدة أحد الشباب بهدف مساعدته في مشروعه، على سبيل المثال لا الحصر، ونأمل أن تتوسع لتشمل مدنا أكثر".
from جريدة إلكترونية أخبار الشمال مغربية : الأخبار http://ift.tt/2kXimFm
via IFTTT