في اشتوكة آيت باها معاناة يومية تلك التي ترافق شريحة غير يسيرة ممّن وجدوا أنفسهم مُجبرين على تجديد وتصفية الدماء السائرة في شرايين أجسادهم، في رحلات شبة يومية إلى مراكز متخصصة، لعلها تخلصهم من عذابات أثقلت كاهلهم، تزيد منها ظروفهم المادية الصعبة، غير القادرة على ضمان استمرار الحصص العلاجية، وبالتالي توقف نبض الحياة، وبين إكراهات التنقل المرهق لأجسادهم النحيفة، في ظل تحركّات مُحتشمة للفاعلين محليا لدعم مبادرات جمعوية، تهدف إلى توفير نقل مُريح يتوافق مع الحالة الصحية لمرضى القصور الكلوي.
وإن تميّزت الفئة التي ربطها القدر بآلات غسيل الكلي في إقليم اشتوكة آيت باها بتوفر غالبيتهم على تغطية صحية أساسية أو نظام المساعدة الطبية، تُتيح لهم الاستفادة من خصص "الدياليز" مجانا، سواء ببعض المراكز الخاصة أو العمومية؛ غير أن الوصول إليها، لا سيما في ظل شساعة النفوذ الترابي لاشتوكة آيت باها، يُعد واحدا من عوامل تفاقم الأوضاع الصحية لهؤلاء، تنضاف إليها إحساس بالتهميش من لدن مدبّري الشأن المحلي ومسؤولي عمالة الإقليم.
رشيد آيت بوي، رئيس جمعية آباء وأصدقاء مرضى القصور الكلوي بجماعتي بلفاع وإنشادن، عرض عددا من المشاكل التي تؤرق جمعيته، وحدّد بعضا منها في فرض المرض المكوث تحت رحمة آلات الغسيل الكلوي لساعات طويلة، يُصاحبه حالات إرهاق وتعب نفسي وجسدي، وذلك في حصّتين أسبوعيّتين لتصفية الدم على الأقل، مع مضاعفات الحقن والتحاليل الدورية، التي رسمت على أجسام المرضى آثارا من سنوات العلاج المتواصل.
واسترسل رشيد آيت بوي، وهو ضمن مرضى القصور الكلوي، أنه يتطوع كسائق لسيارة نقل المرضى، اقتنتها الجمعية بشراكة مع الـمبادرة الوطنية للتنمية البشرية والجماعتين الترابيّتين بلفاع وإنشادن؛ وذلك لمواجهة العجز المالي المستفحل بميزانية هذه الجمعية، أوصلتها إلى مرحلة حرجة، تُهدّد خدمة نقل المرضى بالتوقّف، وبالتالي مُضاعفة معاناتهم ما بين المرض الذي ينهش أجسادهم في ما تبقى من حياتهم، والسعي لضمان لقمة عيش أسرهم، التي لا يكون إلا عسيرا وشاقا لاستحالة ملاءمة وضعهم الصحي إلا مع شغل أو عمل مُحدّد.
وكشف المتحدّث ذاته، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، أن المطالبين بالاستفادة من خدمات النقل التابع للجمعية في تزايد مستمر، لظهور حالات مصابين جديدة بالمنطقة، يضطرّون إلى الاستعانة بوسائل النقل العادية؛ وهو ما يرهقهم ماديا وصحيا، موردا أنّ مبالغ الدعم السنوية المرصودة من لدن جماعتي بلفاع وإنشادن غير كافية لمواجهة حجم العجز، خصوصا مع اضطرار استعمال هذه الوسيلة ستّة أيام في الأسبوع صوب إنزكان وآيت ملول وأكادير (فوجان بمعدل ثلاث حصص أسبوعية).
وانتقد رئيس الجمعية ما وصفه بمحاولات "القتل" التي يتعرّضون لها برفض رفع قيمة منح الدعم من لدن جماعتي إنشادن وبلفاع، واصفا مرضى القصور الكلوي بالمنطقة بالمهمّشين والمنبوذين في جماعاتهم، ويعانون من "الحكرة"، "في حين تُدعم أنشطة رياضية ومهرجانات بملايين السنتيمات سنويا. كما أن "مسؤولي عمالة اشتوكة آيت باها رفضوا استقبالنا مرات عديدة، وأصبحنا كمتشرّدين ومتسولين، نعاني ليس في صمت بل بجهر، ولا نطلب غير الدعم المخصص للوقود، ضمانا لمجانية نقل المرضى وراحتهم، إلى أن يستسلموا للقدر المحتوم".
لحسن فتح الله، رئيس المجلس الجماعي لإنشادن، قال إن جماعته خصصت دعما ماليا قارا (20 ألف درهم) سنويا للجمعية؛ "غير أن المجلس ولتجاوز بعض مشاكل نقل المرضى، ارتأى أن يخلق بديلا حقيقيا خاصا بجماعة إنشادن، ببرمجة اقتناء سيارة جديدة، ستتولى الجماعة كل مصاريفها، دون التوقف عن دعم المشروع المشترك".
وأوضح المسؤول الجماعي، في رده عن انتقاد رئيس الجمعية، أنّ قضية المرض لا تقبل المزايدات. كما اعتبر اتهامه بتفضيل الرياضة على مرضى القصور الكلوي مقارنة غير صحيحة، "لسبب بسيط جدا هو أننا نضع الخدمة الاجتماعية ضمن أولوياتنا".
من جهته، قال الحسين أزوكاغ، رئيس الجماعة الترابية لبلفاع، إن "الجماعة أسهمت في تأسيس الجمعية سالفة الذكر، ومولت لها سيارة نقل خاصة، وتسهم سنويا في التخفيف من مصاريف التسيير، وتتدخل لدى المجلس الإقليمي للحصول على دعم مالي".
وأضاف أزوكاغ، في ردّه في رئيس الجمعية، أنه "لا يجب تهريب النقاش الحقيقي في الموضوع"، متسائلا: "هل فعلا العناية الصحية للمغاربة موكولة الى وزارة الصحة أم الى الجماعات التي بالكاد تستطيع تلبية العديد من الخدمات، بل إنها تسهم سنويا في نظام المساعدة الطبية؟".
وعن إغداق الدعم على الجمعيات الأخرى، أورد أزوكاغ أن "لا بديل للجماعة عن ذلك، وإلا ستتعطل الدورة التنموية، لأنها الملاذ الوحيد للولوج إلى خدمات الثقافة والرياضة والماء والبنيات الأساسية. ولذلك، فبدل تبخيس ما تقوم وما تقدمه الجماعة لفائدة هذه الجمعية والجمعيات الأخرى، عليها أن تدافع عن حق مستفيديها في الولوج إلى العلاج وترافع عنه لدى وزارة الصحة، كما هو منصوص عليه في الفصل 31 من الدستور، دون الحديث عن إشكالات الحكامة داخل هذه الجمعية"، على حد تعبير رئيس جماعة بلفاع.
وفي مدينة بيوكرى، حاضرة اشتوكة آيت باها، خرج مركز لتصفية الدم منذ 2013 إلى حيز الوجود، الوحيد بالإقليم، تُسيره جمعية أصدقاء المستشفى الإقليمي.
وأورد الحسين فارسي، رئيس الجمعية، أن 58 حالة تُتابع علاجها مجانا بهذا المركز، وينحدرون من مختلف جماعات الإقليم، حيث "ومع تزايد المسجلين بلائحة الانتظار، يفرض رهان توفير الموارد البشرية والمعدّات اللازمة، فضلا عن ثقل تكلفة العلاج التي تُقارب 8000 درهم شهريا لكل مريض؛ غير أن تدخل الـمبادرة الوطنية للتنمية للبشرية ووزارة الصحة مكن من تخفيف العبء المالي على الجمعية، لضمان مواصلة المعوزين من المرضى لعلاجاتهم، وتوفير وسيلة نقل لهم مستقبلا".
من جهته، قال خالد الريفي، المندوب الإقليمي لوزارة الصحة، إن وزارة الصحة توفر الأطر الطبية (7 ممرضين وطبيبان) والتمريضية الكفيلة بتلقي المرضى للعلاج في ظروف مواتية داخل مركز بيوكرى، بالإضافة إلى المواد الصيدلية والأدوية ابتداء من السنة الجارية.
واعتبر خالد الريفي، في تصريح لهسبريس، أن من إيجابيات المركز توفره على آلات غسيل جديدة، بالإضافة إلى تمديد مدة حصة العلاج إلى خمس ساعات؛ وهو ما يُتيح لهم جودة العلاج.
from جريدة إلكترونية أخبار الشمال مغربية : الأخبار http://ift.tt/2rMoxea
via IFTTT