منذ أول يوم لتنصيب عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة، تبين أن إحدى أقوى الجبهات التي سيحارب فيها للدفاع عن موقعه السياسي وتثبيت أقدام حزبه داخل دائرة الحكم، هي جبهة الإعلام. وأولى المعارك التي خلفت زلزالا داخل الحكومة وكادت تعصف بالأغلبية وتطلبت تدخلا ملكيا مباشرا لنزع فتيل الأزمة، كانت أزمة دفاتر تحملات الإعلام العمومي التي أعدها وزير الاتصال مصطفى الخلفي، فيما لا تكاد أي من خرجات بنكيران، الإعلامية والخطابية، تخلو من هجوم على جهة إعلامية، عمومية أو خاصة، أو رد على أخبار أو تناول إعلامي يعتبره مندرجا في حرب «التماسيح والعفاريت» ضده.
الخرجات مسبقة التحضير والتخطيط التي بات يقوم بها بنكيران بين الفينة والأخرى، نادرا ما تخلو من ذكر سميرة سيطايل، متهما إياها بالتواطؤ مع خصومه ومستهدفي حكومته، «خليو العدالة والتنمية تشتغل، وخليو الحكومة تشتغل، وعلى كل حال سواء خليتوها ولا ما خليتوهاش هي غادا تشتغل، المناورات راها باينة واخا تتواطأ معاكوم شي قناة للي ما عرفتش شكون للي كايحركها، وللي ماشي بالضرورة تابعة للإدارة المغربية، واخا تتواطأ معاكوم، لا تكفي قناة ولا قناتان ولا القناة الثانية. خليونا نحشمو، وخليونا نمشيو الشؤون ديال الحكومة لما فيه صلاح البلد والدولة والمجتمع»، يقول بنكيران في المؤتمر الأخير لشبيبة حزبه الذي انعقد بإحدى أكبر قاعات العاصمة الرباط، مشعلا فتيل شعارات من قبيل: «الشعب يريد إسقاط دوزيم»، ليعلق بنكيران ساخرا: «ماشي دوزيم كاع غير يلا كان فيها شي تماسيح ولا عفاريت».
«أنا لا أنشط أو أشتغل مع أي حزب سياسي، إسلامي أو غير إسلامي، حتى أقدم استقالتي بمجرد وصول هذا الحزب أو ذاك إلى رئاسة الحكومة»، تقول سميرة سيطايل في حوارها الأخير مع «أخبار اليوم»، ثم تضيف: «عندما كان حزب الاستقلال يقود الحكومة السابقة، لم أكن أعمل مع حزب الاستقلال، لأنني لست معنية بالتحولات السياسية التي تطرأ على الحكومة، التي كان يقودها تقنوقراطي، أو التي كانت تسمى تقنوقراطية، ولذلك ليست هناك أي علاقة بين مهنتي الصحافية التي أمارسها منذ 26 سنة، ووظيفتي في إدارة الأخبار بالقناة الثانية، وبين أي حكومة كانت، أو أي أغلبية داخل هذه الحكومة أو تلك، لأنه، بكل بساطة، يفترض أن لا يكون هناك أي رابط بين الوظيفة في القناة العمومية وأي حكومة أو حزب».
حين وضع الوزير الشاب في الاتصال، مصطفى الخلفي، يده على أحد أكثر الملفات حساسية وخطورة، وحاول مراجعة دفاتر تحملات القطب العمومي وإخضاعه لمنطق المحاسبة والشفافية، كانت حكومة بنكيران على موعد مع أزمة غير مسبوقة، كان فيها وزراء التقدم والاشتراكية والاستقلال والحركة الشعبية (الأغلبية في نسختها الأولى)؛ غاضبين من زملائهم في العدالة والتنمية بعد اعتماد مشروع دفاتر التحملات دون عرضه للمناقشة في المجلس الحكومي وأخذ رأي باقي مكونات الأغلبية الحكومية. وهو الانتقاد الذي عبر عنه علنا وزير الإسكان والتعمير والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله؛ ورد عليه الخلفي داخل البرلمان بالقول إنه انتقاد غريب لأن القانون ينص على إعداد دفاتر التحملات من طرف وزير الاتصال وعرضها على رئيس الحكومة الذي يحيلها على الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري من أجل المصادقة النهائية.
وبعيدا عن غضب مكونات الأغلبية لعدم استشارتها، كان الجزء الأكبر من الصراع يتمحور حول القناة الثانية، فبينما ظلت الثقافة واللغة الفرانكفونية تحظيان بنصيب وافر من الشبكة البرامجية لقناة عين السبع، نص دفتر التحملات الجديد لشركة «صورياد دوزيم» على أن تبث «الشركة» برامجها باللغتين العربية والأمازيغية و«اللسان الحساني» والتعبيرات الشفوية المحلية المغربية المتنوعة، «مع المحافظة على سلامة اللغتين العربية والأمازيغية، خاصة في البرامج الموجهة إلى الأطفال والجمهور الناشئ والنشرات الإخبارية، وفي الدبلجة وفي الترجمة المكتوبة المرافقة للأعمال المبثوثة».
صراع الحكومة الحالية مع «جنرالات» الإعلام العمومي اتخذ، في كثير من الأوقات، طابعا إيديولوجيا بسبب الصدمة التي يسببها بث بعض البرامج والتقارير المتعارضة مع مرجعية الحزب الذي يقود الحكومة. وقبل مهرجان موازين وسهرة «جنيفر لوبيز»، كانت إحدى أقوى المعارك بعد حرب دفاتر التحملات، تلك التي خاضها مصطفى الخلفي ضد القناة الثانية بخلفية أخلاقية. وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، نقل معركته الخاصة بالقيم والدين والهوية في الإعلام العمومي إلى البرلمان، موجها مدفعية ثقيلة نحو المسؤولين عن القطب العمومي، وما يقدمونه من مواد تلفزيونية اعتبرها منافية للقيم المغربية والإسلامية. الخلفي الذي كان يجيب عن أسئلة شفوية بمجلس النواب شهر يونيو 2014، عاد ليدافع عن مواقفه السابقة التي عبر عنها في جلسة سابقة بمجلس المستشارين، مشددا على أنه ينطلق من المقتضيات القانونية والدستورية، التي تربط بين استقلالية الإعلام السمعي-البصري وبين احترام ثوابت الهوية المغربية ومقوماتها الثقافية.
الخلفي، وفي مواجهة انتقادات نواب فرق المعارضة، دافع عن خطوة مراسلة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ومطالبتها بالتحقيق في المضامين التي تبثها برامج الجريمة في الإعلام العمومي. «ليست هناك أي توجهات تحكمية»، يقول الخلفي، مضيفا أن المغرب اختار استقلالية الإعلام العمومي، «وهو ما قمت به وأنا أقوم بتنفيذ توصيات اللجنة الاستطلاعية التي شكلها البرلمان، في احترام للمقتضيات القانونية التي تقول بمبدأ الحرية في إطار القيم الدينية». وشدد الخلفي على أنه حين قام بمراسلة الهاكا عبر رئيس الحكومة، «مارست الاختصاصات التي يخولني إياها القانون».
فيما تبين القصة الطويلة لحروب السيطرة على تلفزيون المغاربة أن الرهانات الحقيقية في هذه المعركة سياسية، حيث كان الهدف في عهد الحماية حصر أي تجربة تلفزيونية في يد المعمرين الفرنسيين، وهاجس الحسن الثاني منع حزب الاستقلال من إطلاق إذاعته وإبقاء التلفزيون أداة دعائية رهن إشارته، قبل أن يأتي إدريس البصري ليحول الإعلام إلى ملحقة بوزارة الداخلية. ورغم مجيء حكومة التناوب ورحيل الحسن الثاني وبعده إدريس البصري، لم يكن مجيء الشاب فيصل العرايشي، وتوالي سنوات «العهد الجديد»، مرحلة لتحرير التلفزة من قيود السياسة وحسابات الدولة الخائفة من تحرير الصوت والصورة
from اليوم 24 http://ift.tt/1QzSjbc
via IFTTT