حقوق المعارضة وواجباتها

امحمد المالكي

 
شكّل الفصل العاشر من الدستور المغربي الجديد (2011( نقلة نوعية في المسار القانوني والسياسي للمعارضة المغربية. والواقع أن الجديد في ما حمله الدستور الحالي لا يكمن في «دسترة» مكانة المعارضة والإقرار بحقوقها وواجباتها فحسب، بل يتعدى ذلك إلى مضمون هذه الحقوق والواجبات. فقد جاءت مفصلة وشاملة، وأحاطت بكل ما له صلة بنشاط المعارضة سواء داخل المؤسسة التشريعية، أو في علاقتها بالحكومة. ثم إن المشرّع الدستوري، سعى إلى الموازنة بين الحقوق والواجبات، وإن وردت كفة الحقوق راجحة من حيث التفصيل والتدقيق، نظير الواجبات التي جاءت مختصرة ومقتضبة.
لاشك أن المشرّع الدستوري كان مستوعِبا رصيد المعارضة في المغرب، وغنى تجارب بعض أحزابها وتنظيماتها، والثقل الذي تمثله في النسيج الاجتماعي والسياسي المغربي. غير أنه كان واعيا، في الآن معا، الأدوار والواجبات التي تنتظرها في البناء الدستوري والسياسي الجديد الذي حمله دستور 2011، ويتطلع إلى تكريسه في واقع الممارسة..وبقراءة متأنية لمضمون الفصل العاشر، تتبين طبيعة المكانة التي دسترتها الوثيقة الدستورية المغربية الجديدة.
فالدستور استهل الفصل العاشر بفعل «ضَمِن»، بكل ما يتولد عن هذا الفعل من نتائج وآثار والتزامات..فهو إجمالا، أي الدستور، ضامِن هذه الحقوق، التي شملت «حرية الرأي والتعبير والاجتماع»، والاستعمال المتكافئ لوسائل الإعلام، والمشاركة الفعلية في التشريع ومراقبة الحكومة، والتمثيلية الملائمة في المؤسسات الدستورية، بما فيها رئاسة أهم لجان مجلس النواب، أي لجنة التشريع..ناهيك عن الدبلوماسية البرلمانية، وتأطير المواطنين، ووصولا إلى ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي..نحن إذن أمام إقرار دستوري شامل وكامل للمجالات التي تجعل المعارضة حلقة محورية في الحياة السياسية لا تقل شأنا عن الأغلبية. بيد أن المشرع ألزم، بالمقابل، المعارضة بمصفوفة من الواجبات، وإن وردت مقتضبة، كقوله: «يجب على فرق المعارضة المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة».. والحال أن كلمتي «فعّالة» و»بنّاءة»، تحملان الكثير مما يجب أن يُفعّل في الممارسة، وتحيلان على نمط من الثقافة السياسية الكفيلة بتحويل رصيد الحقوق إلى سلوكيات فردية وجماعية فعالة وبناءة حقا.
يعرِفُ الدستوريون والقانونيون جيدا أن الدساتير تساهم في التغيير والبناء، لكن لا تحل وحدها مشكلة التغيير، لأن التغيير بطبيعته مشكلة ثقافية، لها صلة عميقة بالذهنيات، وأنماط السلوك، والأفهام، والمدركات. لذلك، يتوقف نجاح الدساتير في إحداث التغيير على مدى قدرة النخب والمجتمعات على استيعاب روحها، والاقتناع الجماعي باحترام شرعيتها.
ما يبدو راجحا في الواقع السياسي المغربي أن ثمة صعوبات في تشكّل ثقافة سياسية مكتملة وناضِجة، تساعد، من جهة، على تبلور ما يمكن أن يُسمى «منطق الأغلبية»، و»منطق المعارضة». وتساهم، من جهة أخرى، في جعل المنطقين مختلفين، وفي الآن معا متكاملين ومتعاونين..فالاختلاف لازم وضروري، وهو ما يدخل في باب البديهيات، غير أن التعاون مطلوب لأنه ينبذ ثقافة الصدام والتجاذب، ويفتح الباب واسعا للتنافس المنتِج والمراكِم لتقاليد العمل البرلماني والحكومي، والمطوِّر تاليا للحياة الدستورية والسياسية.. والأكثر يساعد على تكوين قُدوة سياسية قادرة على زرع الثقة في نفوس الناس، وحفزهم على التفاعل الإيجابي مع الشأن العام.
إن المسؤولية مشتركة بين «الأغلبية» و»المعارضة» في رفع منسوب الحوار بينهما، والتنافس على ما يعمق روح الدستور الجديد، ويعزز احترام شرعيته في الممارسة.. وهما معا على قدم المسؤولية في تقديم صورة مُقنِعة على أن ثمة تقدما فعليا في ممارسة الفاعلين السياسيين، وأن التنافس وحِدَّته، وتباين الخطابات، وأحيانا قساوتها، تصب أولا وأخيرا في خدمة البلاد والعباد.. وليس لا في سياقات انتخابية، على أهميتها، ولا في حسابات حزبية ضيّقة عَرضية..



from اليوم 24 http://ift.tt/1EEuLv4
via IFTTT

مقالات ذات صلة

Previous
Next Post »