شباب "الباركور" بطنجة يواجهون مخاوفهم بمُغازلة الخطر

هُمْ مجموعة شباب من طنجة جمعهم حبُّ رياضةٍ لازالت في مرحلتها الجنينية في المغرب ككلّ رياضةٌ قد تبدو عشوائية بالنسبة للكثيرين هنا، لكنها، عالميا، تخطت عدّة مراحل وأصبحت لديها قواعدها، أماكن ممارستها، اتّحادات تمثلها، ومسابقات عالمية منتظمة.

رياضة "الباركور"، أو "PK" بتسميتها المختصرة، هي رياضة الجري الحرّ المعتمد على تجاوز الحواجز المفاجئة الطبيعية، بكل أنواعها، المتواجدة في الشارع العام أو الغابة أو مكان الممارسة عموما، مع الانتقال من نقطة إلى نقطة عن طريق القفز المعتمد على المرونة الشديدة.

يُعتبر الفرنسي "ديفيد بيل" هو مؤسس هذه الرياضة "القتالية"، إن جاز التعبير، المعتمدة على الهروب بدل المواجهة كفكرة أساسية، مع القدرة على تخطي الحواجز التي تقف في طريق المُمارس "Traceur"، والمأخوذة أساسا من تمارين "parcours du combattant"، التي اشتهر بها الجيش الفرنسي، والتي تعتمد على الانتقال من نقطة إلى أخرى باستخدام/تجاوز العقبات المتواجدة في الطريق. ولعلّ الانطلاقة الحقيقية لهذه الرياضة قد كانت من خلال فيلم "ياماكاسي" (Yamakasi) الصادر سنة 2001 ببلجيكا.

"الجلافط".. اللصوص!

عن بداية تكوين فرقة "الجلافط للباركور" بطنجة، يقول إبراهيم: "كان ذلك سنة 2008، حيث كان كل منا يمارس على انفراد قبل أن نلتقي من خلال مصادفات فقط أثناء ممارستنا للباركور، قبل أن يلتحق بنا آخرون".

"في البدء كنا نمارسها في الحدائق العمومية، قبل أن نبدأ بالبحث عن أماكن مناسبة رياضيا أكثر وبعيدة عن أعين الناس، حتى يكون أداؤنا أفضل"، يقول إبراهيم، مضيفا: "مكاننا الرئيسي كان قرب ساحة الأمم، والآن بعد الإصلاحات الجارية هناك، انتقلنا، كما ترى، إلى هذا (السبوت) (يطلق على مكان ممارسة الباركور) المحاذي لهذه الكنيسة بشارع الحسن الثاني، والذي به أسوار وعقبات جيّدة ومناسبة".

عن سؤال حول تعامل الأمن معهم، يجيبنا زميله محمد قائلا: "في البدء تعرضنا لمضايقات وصلت إلى حد إلقاء القبض علينا في إحدى الحملات التطهيرية بعد أن وجدونا فوق أحد الأسطح المهدّمة، ويبدو أنهم اعتقدوا أننا لصوصا ! لكن، مؤخرا، تغيّر الوضع قليلا، وهم، على الأقل، يعلمون حاليا بوجود شباب يمارس هذه الرياضة".

إصابات ومُعجبون

يضيف محمد: "بالنسبة للإصابات، فهي تحدث معنا كثيرا، خصوصا في غياب بعض الإكسسوارات الخاصة بحماية أجزاء من الجسد والتي لا تباع هنا، لكن الأمر في الحقيقة لا يتعدى الرضوض والجروح، ولحسن الحظ لم يتعرض أي منا لكسر لحدّ الآن. نعمل جاهدين على أخذ كل الاحتياطات قبل تنفيذ الحركات الخطيرة".

لدى فرقة "الجلافط" معجبون خارج المغرب أكثر مما لديها داخله، ويقول أعضاؤها إنهم يتلقون رسائل من المعجبين بهم يسألون فيها عن الجديد، خصوصا أن الفرقة تعمل على بث فيديوهات متقنة لأنشطتها وتداريبها على موقع المرئيات العالمي "يوتيوب".

ربما يعود هذا، بحسب الفرقة، إلى أنه تم الاعتراف برياضة "الباركور" كرياضة رسمية بعدد من الدول الغربية، ويتم تنظيم مسابقات سنوية لها، ممّا يجعلهم يتعاملون معها باهتمام واحترافية ويتابعون كل جديدها، بل إن الدنمارك - مثلا- خصصت لكل مدينة فضاءً مجهزا خاصّا بممارسة هذه الرياضة.

هذا لا يمنع كون الرياضة تتطور في المغرب بشكل متسارع، حيث هناك تواصل دائم بين ممارسيها من مختلف المدن، وقد سبق لفرقة "الجلافط" أن قامت بزيارات لفرق أخرى من مراكش والدار البيضاء وغيرها.

ليست مجرّد رياضة

هشام، العضو الثالث في الفرقة، يقول: "نحن نتدرب بشكل يومي دون كلل. الكثيرون ممن تحمسوا في الأول تعبوا وتركوا هذه الرياضة التي تتطلب إرادة قوية ونفَساً طويلا. يصعب أن يبدأ أحدهم الآن الممارسة معنا من الصفر. لقد انتقلنا إلى مرحلة صعبة ولا أظن أن المبتدئين يستطيعون مسايرتنا كفرقة، لكن يمكنهم طبعا أن ينشئوا فرقا أخرى ويبدؤوا من الصفر".

وعن مدى تأثير رياضة "الباركور" على حياتهم عموما، يوضّح هشام: "لقد اختلفت نظرتنا للحياة فعلا عندما بدأنا في ممارسة الرياضة، فالباركور يلبسك نظارة جديدة تجعلك ترى محيطك برؤية جديدة. الحياة عبارة عن عقبات، ومبدأ الباركور الأساس هو تجاوز العقبات، بل اعتبارها وسيلة للعبور نحو مرحلة أخرى. هذا يجعل نظرتك للحياة إيجابية جدّا. في الشارع لا نرى الأمور كالآخرين. فالبناية التي تبدو لك عادية، نراها نحن مجموعة تحديات، فنفكر في الطريقة المثلى مثلا لصعودها أو الانتقال منها إلى أخرى، وكيف سنتمكن من ذلك، وهكذا".

يلتقط إبراهيم الكلام من هشام ليوضح أكثر، فيقول: "مثلا، عندما تمزق حذائي الرياضي في أحد الأيام وعجزتُ عن شراء آخر لأن المال لم يكن معي، قامت الفرقة بالتضامن معي بشكل غريب، حيث قرر الجميع أن يتدربوا بأقدام حافية رغم صعوبة ذلك في امتصاص الصدمات أثناء القفز. هذا الحسّ الإنساني يتزايد كثيرا لديك عندما تمارس الباركور".

واجه مخاوفك.. خطرُ الموت!

قام شباب فرقة "الجلافط"، مؤخرا، بمبادرة غريبة، تسلقوا من خلالها ارتفاعات شاهقة ومارسوا فيها "الباركور"، فوقفوا في أماكن مرتفعة وحادّة، في مشاهد تحبس الأنفاس.

يشرح لنا هشام فكرة "واجه مخاوفك"، المبادرة التي أطلقتها الفرقة، قائلا: "العقبات أو المخاوف هي مسألة نفسية، والممارسة على ارتفاعات شاهقة تختلف تماما عن الممارسة على الأرض. فالمتر الواحد في الارتفاعات يبدو كـ 5 أمتار أو أكثر بسبب الخوف من السقوط. هكذا جاءتنا فكرة المبادرة وقررنا مواجهة هذا الخوف، عن طريق فيديو قصير سنصوّر من خلاله تواجدنا بأماكن عالية".

وعن خطورة هذه العملية التي قد تكون مميتة، يقول هشام: "هذا ما يبدو عليه الأمر عندما تشاهد الفيديو، لكننا لا نقدم على أي خطوة إلا عندما نحسبها بشكل جيد، بحيث لا نغامر بحياتنا. قد نكون شجعانا بعض الشيء، لكننا لسنا متهوّرين ولن نلقي بأنفسنا إلى التهلكة".

وعن أمانيهم، يقول أعضاء فرقة "الجلافط": "نتمنى أن يتم أخذ هذه الرياضة بجدية أكثر، وتوفير فضاءات بالمدينة لممارستها، ولمَ لا الاعتراف بها مثل باقي الدول".




from جريدة إلكترونية أخبار الشمال مغربية : الأخبار http://ift.tt/1RMgk3S
via IFTTT

مقالات ذات صلة

Previous
Next Post »